إن للدعاء له منزلة العظيمة في الإسلام، وبينا أنه أعلى مراتب العبادة مثل دعاء السفر، بل هو العبادة كلها، ففي الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة"، ثم قرأ: "وقال ربكم ادعوني استجب لكم" [سنن أبي داود 1481 وصححه الألباني].
بعض آداب الدعاء وأحكامه التي ينبغي للداعي أن يتعلمها ويتأدب بها، حتى يكون ذلك أدعى لقبول دعائه وإجابة طلبه ومناجاته، ونكمل في هذا العدد فنقول وبالله تعالى التوفيق:
أن يدعو العبد ربه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى
ودليل ذلك قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، فإن معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته مما يزيد الإيمان ويقوي اليقين، ومعرفة العبد بها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: ربوبية، ألوهية، أسماء وصفات، وهذه الأنواع هي روح الإيمان وأصله وغايته.
ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء استهلاله بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وأن يتخير من أسماء الله وصفاته ما يناسب حاجته، كما في الصحيحين من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه: فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت العفو الرحيم، [صحيح البخاري 834].
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضاً قال: أذهب البأس، رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً، [صحيح البخاري 5675].
وروى أحمد في مسنده (4318)، وابن حبان في صحيحه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حُكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حُزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وأبدله مكاَن حزنه فرحاً، قالوا: يا رسول الله، ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات؟ قال: أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب 1822.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، [سنن ابن ماجة 3850 وصححه الألباني].
أي من صفاتك العفو، وأنت تحب العفو، فأسألك بما تحبه، وما أنت متصف به، أن تعفو عني، فالسؤال يكون بذكر الصفة التي يتصف به الله تعالى، والتي يحبها في عباده.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، [رواه الترمذي (3524) وحسنه الألباني].
أن يتحرى العبد أوقات الإجابة فإن ذلك أدعى للقبول وعدم الرد:
وهناك أوقات كثيرة يُستحب فيها الدعاء ويُجاب بإذن الله - ، منها مثلاً:
أ - جوف الليل وعقب الصلوات المكتوبة:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فزعاً وهو يقول: سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، ومن يوقظ صواحب الحجرات يقمن فيصلين؟! [صحيح البخاري 1126].
قال الحافظ في الفتح: فيه استحباب الضراعة والدعاء وقت الليل رجاء الإجابة.
عن أبي إمامة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير، ودبر الصلوات المكتوبات، [رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني].
قال مجاهد رحمه الله: إن الصلوات جُعلت في خير الساعات، فعليكم بالدعاء خلف الصلوات.
ب – بين الأذان والإقامة:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة، [رواه أبو داود (521) وصححه الألباني].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة، [صحيح البخاري 614].
جـ - عند نزول المطر:
عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – : "ثنتان لا تردان، أو قلما تردان: الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً"، قال موسى: وحدثني رزق بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ووقت المطر. [رواه أبو داود (2542) وصححه الألباني].
د – الدعاء في السجود:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجداً، فأكثروا الدعاء. [صحيح مسلم 482].
ه – في يوم عرفة ويوم الجمعة:
أما ما جاء في يوم عرفة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: خير الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. [رواه الترمذي 3585 وحسنه الألباني].
وأما يوم الجمعة، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه. [صحيح مسلم 852].
و – في الصيام والسفر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر، [رواه أبو داود 1536 وحسنه الألباني].
ز – عند صياح الديكة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكاً، [صحيح البخاري 3303].
قال القاضي عياض رحمه الله: كان السبب فيه رجاء تأمين الملائكة على دعائه، واستغفارهم له وشهادتهم له بالإخلاص.
ح – عند القلق من النوم ليلاً:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته. [صحيح البخاري 1154].
ط – عند حضور الميت والجنازات:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – على أبي سليمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره ونور له فيه. [صحيح مسلم 2169].
والحمد لله رب العالمين.
طالع ايضا : الانترنت والتعليم عن بعد
0 تعليقات