يعتبر قطاع النقل من القطاعات الرئيسة المستهلكة
للطاقة عالميا، ويشمل هذا القطاع نقل الركاب والبضائع بوسائط النقل البرية (المركبات
والحافلات والشاحنات والقطارات)، والجوية (طائرات الركاب والشحن)، والمائية (بواخر
الشحن، وعبارات نقل الركاب، وغيرها). وتقدر نسبة استهلاك هذا القطاع بحوالي 20% من
إجمالي الطاقة الأولية المستهلكة عالميا وحوالي 50% من الوقود السائل، وتدل الدراسات
الاستشرافية لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (1) بأن استهلاك هذا القطاع سيزداد من
9.97 إلى 142.1 كوادريليون و ح ب بين الأعوام 2007 و 2035 (الشكل – 1)، وبأن حصة قطاع
النقل من الوقود السائل ستزداد إلى نحو 61%. وتماثل نتائج هذه الدراسات توقعات منظمة
الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) (2) (الشكل -2) فيما يتعلق بمستقبل استهلاك النفط، إذ
تقدر كمية النفط المستهلك في قطاع النقل بنحو 51.6 مليون برميل نفط مكافئ في عام
2030 مقارنة بنحو 40.4 مليون برميل نفط مكافئ في عام 2010.
واذا أخذنا في الاعتبار أن معدل إمداد النفط
سيبلغ نحو 97.6 مليون برميل /اليوم، نستنتج بأن النفط سيستمر بلعب دور محوري في إمدادات
الطاقة لقطاع النقل خلال العقود القادمة. وهناك العديد من العوامل التي تسهم في نمو
استهلاك الطاقة في قطاع النقل وقد تم استعراضها في ورقة سابقة (3)، وفي العديد من الدراسات
الاستشرافية (1، 2، 4-6)، إلا أن السبب الرئيس يعود إلى النمو المتسارع لقطاع النقل
في دول الاقتصاديات الناشئة والدول النامية.
ومما لا شك فيه أن قطاع النقل من القطاعات
المؤثرة بشكل مباشر في نمو الاقتصاد العالمي، والذي تتزايد أهميته مع النمو المستمر
للعولمة وللتجارة البينية. ونتيجة لذلك يكتسب موضوع تأمين مصادر الطاقة لهذا القطاع
أهمية خاصة. وحيث أن المصدر الرئيس للطاقة لهذا القطاع هو النفط كما سبق ذكره أعلاه،
وبما أن النفط يعتبر من مصادر الطاقة الناضبة، إضافة إلى أن استخدامه كوقود يؤدي إلى
انبعاث الغازات الدفيئة التي يعزى إليها ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد بدأ الاهتمام
بتوفير بدائل لوقود النقل منذ تسعينات القرن الماضي.
وتبذل في هذا السياق جهود حثيثة من قبل مجموعة
واسعة من الشركات والمؤسسات البحثية المعنية بإمدادات الطاقة وصناعة وسائط النقل تهدف
إلى تطوير أنظمة متكاملة تشمل أنواع مختلفة من بدائل الوقود وطرق إمدادها ووسائط النقل
الملائمة لها. وقد سبق وأن استعرضنا في ورقة سابقة (3) بشيء من التفصيل أسباب البحث
عن بدائل وقود النقل وأوجزنا أهم التطورات المتعلقة بوسائط النقل، كما أن هناك عدد
من الأوراق والمراجع التي يمكن للقارئ العودة إليها لمزيد من التفصيل (4-6). وتستعرض
هذه الورقة أهم التطورات في حقل بدائل وقود النقل وإنتاجها. وسيتم التركيز بشكل خاص
على أنواع بدائل الوقود التي سوف تلعب دورا مهما في إمدادات وقود النقل في المستقبل
المنظور حتى عام 2030.
بدائل وقود النقل
يتمحور موضوع بدائل وقود النقل حول تحديد مصادر
الطاقة التي يمكن أن تلبي الاحتياجات المستقبلية لقطاع النقل على المستوى العالمي أو
القطري، سواء كانت الدوافع لذلك تتعلق بضمان إمدادات الوقود، أو أسباب بيئية كانبعاث
الغازات الدفيئة، أو الاعتماد على مصدر محلي للطاقة بدلا من مصادر طاقة أولية مستوردة
(7؛8).
وبما أن الدوافع وراء النشاطات المتعلقة بتطوير
بدائل لوقود النقل تختلف من دولة إلى أخرى، لذا يتحتم على الدول المنتجة للنفط النظر
إلى هذا الموضوع بشيء من التجرد ومتابعة التطورات المتعلقة به لتحديد مدى إمكانية الاستفادة
من هذه البدائل في دولها للحفاظ على البيئة المحلية،
ولتحديد مدى تأثير هذه البدائل فعليا على مستقبل أسواق النفط والغاز. تضم قائمة بدائل الوقود سوائل الكتلة الحيوية،
والسوائل المنتجة من الغاز الطبيعي والفحم الحجري، والغاز المسال، والغاز الطبيعي المضغوط،
والكهرباء والهيدروجين. ويوجز الشكل – 3 أهم معالم منظومة وقود النقل الحالية التي
يتم تسويقها حاليا ويبين كذلك ارتباطها بمصادر الطاقة الأولية. وقد تم استثناء كلا من الكهرباء والهيدروجين
من الشكل – 3 حيث أنه من المتوقع أن يبقى تأثيرهما على أسواق وقود النقل محدودا في
المدى المنظور حتى عام 2030، نظرا للتغيير الجذري في بنية منظومة النقل الذي يتطلبه
هذين النوعين من بدائل وقود النقل. يضاف إلى ذلك أن كثافة الطاقة للهيدروجين سواء
كان سائلا أو مضغوطا أقل بكثير من الديزل والجازولين وبدائل الوقود الأخرى المتاحة
كما هو موضح في الشكل – 4 (9)، كما أن الطاقة الكهربائية التي يمكن تخزينها في البطاريات
ما زالت محدودة . ويترتب على ذلك أن المسافة التي يمكن للمركبة التي تعمل بالكهرباء
أو الهيدروجين أن تقطعها فبل إعادة التزود بالوقود متدنية، مما يجعل هذه المركبات أقل
جاذبية من المركبات التي تعمل بالوقود التقليدي. ومما لا شك فيه أن أنواع بدائل الوقود التي
تعتمد على مصادر الكتلة الحيوية والغاز الطبيعي والفحم الحجري هي الأكثر جاذبية في
المستقبل المنظور نظرا لسهولة اندماجها مع منظومة النقل الحالية، والتأثير البيئي المحدود
لبعض منها، خاصة فيما يتعلق بانبعاث الغازات الدفيئة. وبالتالي فقد تم بذل جهود حثيثة
لتطوير طرق تصنيع هذه البدائل على مدى العقود الثلاثة الماضية، واتسم الطلب عليها بنمو
مرتفع خلال العقد المنصرم، كما أنه متوقع أن تنمو بشكل متسارع خلال العقدين القادمين
(الشكل – 5). وعليه سيتم التركيز في هذه الورقة على هذه البدائل.
ويعتبر البيوتانول بديلا محتملا ومنافسا للإيثانول
كوقود نقل حيوي، وذلك لكونه أكثر ملاءمة من حيث إمكانية توزيعه باستخدام خطوط إمداد
الوقود الحالية. إلا أن الجدوى الفنية والاقتصادية لإنتاجه، باستخدام الذرة أو أعشاب
الأعلاف كلقيم، تبين أن حصيلة الطاقة للبيوتانول، وفق التكنولوجيات السائدة حاليا،
تساوي حوالي نصف حصيلة الطاقة لإيثانول لنفس كمية اللقيم، مما يجعل البيوتانول أقل
جاذبية، نظرا لكون اللقيم يشكل قسما هاما من تكلفة إنتاج الوقود. كما يترتب على هذه
الحصيلة المتدنية ارتفاع التكاليف الرأسمالية لإنتاج البيوتانول. ولتمكين البيوتانول
من لعب دور أكثر فاعلية في منظومة وقود النقل
يتوجب تحسين الكفاءة الإنتاجية وتذليل العديد من مصاعب الإنتاج الحالية (20). أما بالنسبة
للميثانول والهيدروجين والزيوت الثقيلة فإن إنتاجها يعتمد على سلسلة من العمليات الصناعية
المكلفة كعملية تغويز الكتلة الحيوية وتكنولوجيا فيشر تروبش لتخليق الهيدروكربونات
وعمليات المعالجة الهيدروجينية، مما يجعل تكلفة الإنتاج مرتفعة. وبالتالي فإن نوعا
الوقود المرشحان للعب دور رئيسي كبدائل لوقود المركبات في الوقت الحالي هما الإيثانول
والديزل الحيوي. وبالتالي سيتم التركيز على هذين البديلين في
هذه الورقة.
المواد الأولية المستخدمة في إنتاج الوقود
الحيوي: الكتلة الحيوية
تنقسم المواد الأولية المستخدمة كلقيم في إنتاج
الوقود الحيوي إلى قسمين رئيسيين هما النباتات والطحالب كما هو موضح في الشكل – 6 في
الصفحة . وسيتم في هذا القسم استعراض هذه المصادر، ثم تركيبها الكيميائي.
أ) المواد النباتية
المواد النباتية هي الكائنات الحية التي تنتمي
إلى ما يسمى بالمملكة النباتية (Plantae) والتي تضم حوالي 350.000 صنف،
وتمتاز ببعض الخصائص العامة ككونها متعددة الخلايا، واحتوائها
على السلولوز، وقدرتها على التخليق الضوئي.
وتشمل المملكة النباتية: الأشجار والمحاصيل الزراعية والأعشاب وغيرها. وتتميز المواد النباتية بقدرتها على تصنيع
ما تحتاجه من الغذاء عن طريق تحويل ثاني أكسيد الكربون المتواجد في الجو وباستخدام
الأشعة الشمسية كمصدر للطاقة إلى مواد عضوية مختلفة أهمها الكربوهيدرات، كالسكريات
والسلولوز، والليجنين، والبروتينات والدهنيات ومواد أخرى كالأصباغ والمواد العطرية.
ويوضح الجدول – 2 أهم المواد النباتية التي يمكن استخدامها كلقيم في إنتاج الوقود الحيوي .
وتعتمد صناعة الوقود الحيوي حاليا على الأصناف
المدرجة تحت مجموعة المحاصيل الغذائية النشوية والسكرية والمحاصيل الزيتية. فالولايات
المتحدة والبرازيل، وهما أكبر منتجي الإيثانول في العالم، تعتمدان في إنتاجهما على
كل من الذرة وقصب السكر بالتوالي. كما تعتمد أوروبا على زيت بذور اللفت والولايات المتحدة
على فول الصويا لإنتاج الديزل الحيوي.
وتعتبر محاصيل الزيوت من أكثر المواد التي
يتم الحديث عنها كبديل لوقود السيارات؛ ويعود استخدامها إلى مطلع القرن العشرين، عندما
قام رودولف ديزل بتجربتها كوقود لمحرك الديزل الذي قام بتصميمه. وتم استخدامها بتوسع
في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، كوقود في بعض الحالات الطارئة بسبب شح الموارد
النفطية (23-25).
أما الأصناف العائدة لمجموعات منتجات الأحراج
والغابات، ومحاصيل الطاقة، والمخلفات الحيوية المتجددة، فما تزال طرق معالجتها بهدف
تحويلها إلى وقود تواجه صعوبات تقنية نتيجة للتركيب الكيميائي المعقد لمكونات هذه الأصناف.
ويبدو أن هناك حاجة ملحة لتطوير أصناف نباتية ذات مكونات كيميائية أكثر قابلية للتحويل
إلى وقود حيوي. وبالتحديد يتوجب بذل جهود في مجال الهندسة الوراثية لتطوير أصناف تحتوي
على أنواع من الليجنين، وهو من المكونات الرئيسية لنباتات مجموعة منتجات الأحراج والغابات
ومجموعة محاصيل الطاقة، يسهل تحويله إلى سكريات. ويتطلب ذلك بدوره تطوير فهم أفضل لوظائف
الأنزيمات المختلفة التي تدخل في عمليات التخليق الحيوي لليجنين. إلا أن المعلومات
الجينية في هذا المجال ما تزال محدودة جدا، كما لا تزال المعلومات حول بنية الأنزيمات
وعلاقة الإنزيمات ببعضها أثناء أدائها لوظائفها عند تخليق الليجنين غير مكتملة. وبعد
تحقيق ذلك والاستفادة من المعرفة الناتجة في تطوير نباتات محسنة ضمن ظروف مخبرية محكمة
السيطرة، يتوجب إجراء تجارب حقلية مستفيضة تستهدف تطوير الأساليب الزراعية التي يتوجب
اتباعها والطرق الأمثل لإدارة الأراضي المستخدمة بما يحقق زراعة هذه النباتات بشكل
مستدام وبكميات اقتصادية (26).
ب) الطحالب
الطحالب هي كائنات حية سريعة النمو تتراوح
ما بين كائنات دقيقة أحادية الخلية إلى كائنات معقدة متعددة الخلية وتبلغ عدد الأصناف
التي تنتمي هذ الكائنات ما يقارب 300.000 صنف، وتتميز ببساطة أعضائها الحيوية مقارنة
بالنباتات. وتعيش الطحالب في الأماكن الرطبة أو في الماء وبالتالي يمكن رصدها في البيئة
البرية أو المائية (الشكل – 7). وتحتاج الطحالب لنموها وتكاثرها للماء، ولأشعة الشمس
ولثاني أكسيد الكربون. وتستخدم الطحالب حاليا كطعام وكعلف حيواني، وكمواد غذائية لاستزراع
الأسماك، وكأسمدة حيوية. وتتميز الطحالب الدقيقة بسرعة نموها وشراهتها لثاني أكسيد
الكربون، ومرشحة لأن تكون الكتلة الحيوية الأعلى إنتاجية للوقود الحيوي. والمجموعات
الأكثر أهمية من الطحالب الدقيقة هي: الطحالب الخضراء والطحالب الذهبية وطحالب ((diatoms. ويتضمن الجدول – 3 المكونات الرئيسية لبعض أنواع الطحالب، والتفاوت
الكبير في محتواها من البروتينات والكربوهيدرات والدهون. كما تجدر الإشارة إلى أن نسبة الماء في الطحالب
تبلغ حوالي 90-95%.
وللاستفادة من الطحالب كلقيم لإنتاج الوقود
الحيوي يتوجب اختيار أنواع الطحالب الأكثر جدوى من حيث تكلفة استزراعها ومحتواها من
المواد الزيتية والكربوهيدرات. أما بالنسبة لعمليات إنتاج الطحالب فقد بوشر بإنتاج
الطحالب باستخدام تقنيات معروفة منذ عدة عقود، ثم بدأ العمل على تطوير هذه التقنيات
واستحداث تقنيات جديدة أكثر كفاءة. وفيما يلي وصفا موجز لهذه التقنيات:
أنظمة البرك المفتوحة:
طالع ايضا تطور في تقنيات إنتاج الوقود الحيوي
0 تعليقات